بائع الأسماك
تعلم "محمود"، صياد السمك وبائعه، من طبيعة مهنته أن يربط أحداث حياته الغيبية وصفقاته المستقبلية بجملة "إن شاء الله".
فمن يريد نوعاً معيناً من السمك ويطلبه من "محمود" سلفاً يقول له: إن شاء الله، ومن يسأله: هل ستكون موجوداً غداً بالسوق؟ يسارع "محمود" بقول: إن شاء الله.
"محمود" صياد قانع راضٍ لا يستبطئ رزقاً، ولا يستعجل فَرَجاً، ولا يدعو إلا مضطراً، وتراه في ذلك كله حريصاً دقيقاً جداً، فلا يأخذ عُربوناً من أحد، ولا يقبل مالاً مُقدَّماً، يحرص دوماً على أن يكون بيعه وشراؤه يداً بيدٍ في وقتِ البيع والشراء.
في الصباح..
بعد صيد وفير، عاد "محمود" إلى السوق جذلانَ يعرض في رضاً ما رزقه الله به، فهذه أسماك من نوع البلطي، وتلك قراميط، وأخرى شيلان، وأخيرة أسماك صغيرة متباينة الأنواع.
وقف "محمود" بابتسامة التاجر الصدوق يستقبل الزبائن بعد أن أحسن عرض بضاعته من الأسماك، وقد وفَّر لها أماناً وحماية من أشعة الشمس، وبيئة من الماء والثلج تحفظ للأسماك حياتها وسلامتها.
رجل: أريد هذا القرموط الحي، زنه لي، لكن دعه في الماء حياً حتى أعود إليك بعد تسوقي وتجوالي.
محمود: سيدي، تسوَّق ثم تعالَ، فإن وجدتَ القرموط وزنتُه لك، أو أزنه لك الآنَ وتأخذه معك.
رجل: وما يمنعك أن تزنه وأحاسبك عليه ثم أمضي لحاجتي وأعود إليك؟
محمود: يمنعني أن القرموط قد يموت وأنت تريده حياً، وأنه قد ينقص وزنه خلال غيابك؛ لأن السمك لا يأكلُ بعد اصطياده.
رجل: هذا حسنٌ، سأعود إليك بعد تسوقي، فلا تبع القرموط وأبقه لي.
محمود: تعود بسلامة الله، هذه أرزاق تُساق إلى أصحابها، فعسى أن تكون من أهلها.
وبعد انصراف الرجل..
امرأة: صباح الخير يا عم "محمود"، نهارك فُل.
محمود: صباح النور.. طلباتك يا ست الكل.
امرأة: زن لي هذا القرموط الكبير، وأسرع فإني قادمة من سفر وفي عجلة من أمري.
محمود: حالاً، يا سيدتي.
امرأة: هل القرموط حي؟ زوجي يهوَى أكل القراميط الحية العابثة.
محمود: سيظل معك حياً، إن شاء الله، حتى تصلي بسلامة وأمان.
وبعد عودة الرجل من تسوقه وتجواله..
الرجل: سلام الله عليك يا عم "محمود"، هيا زن لي القرموط.
محمود: عذراً سيدي، ليس من نصيبك قد بعته منذ قليل.
الرجل: كيف وقد طلبت إليك إبقاء القرموط حياً حتى أعود؟
محمود: الحياة بيد الله وحده، والشراء كالطعام رزق وقضاء.
الرجل: أنا في البيت بمفردي ولا أُحسن غير شواء القراميط.
محمود: إن أردتَ هناك أسماك أخرى، وقراميط نافقة، لا حراك بها ولا حياة.
الرجل: لا، وشكر الله لكم، فهي الأرزاق كما قلتَ، الحمد لله على كل حال.
محمود: عذراً، فهذه طريقتي في البيع والشراء، حظاً طيباً غداً إن شاء الله.
وبعد انصراف الرجل ووصوله إلى البيت..
الرجل: ما لهذا المفتاح لا يعمل.. لقد أغلقت به الباب منذ ساعتين أو ثلاث؟
وبعد محاولات عديدة لفتح الباب من دون جدوى، يدفع الرجل باب البيت ويطرُق عليه محدثاً جَلَبَة، فإذا به يجد زوجته تفتح الباب الذي أغلقته وقد سمعتْ صوته من الداخل، وذلك بعد أن عادت من سفرها لزيارة أمها.
استقبلت المرأة زوجها بابتسامة في رِقَّة الفَرَاش، وعذوبة السَّحَر، ووداعة القَمَر، ثم أخبرته بأن "أكلة القراميط" التي يشتهيها ستكون بعد قليل جاهزة بين يديه!
aboeisa69@gmail.com